دير أيوب قضاء الرملة في ظل الدولة العثمانية – الجزء 1/2



إعداد الباحث عباس نمر
عضو اتحاد المؤرخين العرب

في الذكرى الثالثة والخمسين لنكسة حزيران والثانية والسبعين لنكبة فلسطين تسعى إسرائيل بلا هوادة في طمس معالم التاريخ والجغرافية والتراث لفلسطين ، ولا زالت تصادر الأرض وتقيم المستوطنات وتستولي على المياه وتحاصر القدس وتعمل على تهويدها مع تواصل الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك وترفض عودة اللاجئين والنازحين وتريد ضم الأغوار … إلخ ، إنها أيام شاهدة على الاستهتار بالشعوب والدول الضعيفة وإقصاء العدالة وتمجيد القوة .

وسوف أتحدث إليكم عن قرية دير أيوب باب الواد (باب واد علي) التي هُجر قسم صغير من أهلها عام النكبة والقسم الكبير عام 1949م وفي عام النكسة 1967م هُجرت عائلة عبد السميع طينة (أبو سالم) من البقية الباقية من أراضي دير أيوب مع قرى اللطرون عمواس ويالو وبيت نوبا والبقية الباقية من قرية اللطرون .

لذلك إن تدوين التاريخ بجهد الحاضر ما هو إلا محاولة جادة لإحياء التراث ومنعه من الاندثار والحنين إلى الماضي جزء من الحاضر الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني .

وفي أيام الكوارث لشعب فلسطين من نكبة ونكسة على طريقة التطهير العرقي ، بملء الأفواه يقول أبناء دير أيوب : مهما كبرت اللوعة في نفوسنا ومهما تعاظمت الحسرة في أعماقنا ومهما أنحنى الشعب الفلسطيني أمام شدة العواصف فإننا نرفض أن نرتدي زياً غير الذي كنا نتزياه قبل عام النكبة ونحن مصممون على حق العودة ولا بد لهذا الليل من آخر ، لا نستكين ولن نفقد الأمل لأن الأمل بالله مهما طال الزمن والحقوق لا تزول .

وإن أهالي دير أيوب يحملون معهم المكان بموجوداته وذكرياته أينما رحلوا وحيثما حلوا على وجه الأرض وإن قريتهم ضاربة جذورها عميقاً في رحم التاريخ وعمق الأرض ، دير أيوب قرية قديمة منذ قديم الزمان منذ كنعان ومهما يكن من أمر ومهما جنى المخلوع عن أرضه من خيرات وأموال وأراض ومناصب وثروات لا يستطيع نسيان صورة الأرض التي بناها أجداده الكنعانيون فعليها استشهد الفاتحون في طاعون عمواس وانتصر صلاح الدين حيث كانت القرية ضمن المنطقة لقيادة جنده إن دير أيوب معشوقة مغروسة في الوجدان فواحة للخير الذي لا ينقطع تواصله ، يبقى العبق موجوداً كمجد قديم حديث ، أنه شعور لا يوصف بل يمارس ممارسة فعلية ولا يعادله أي شعور ، قال أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله الذي فضل وطنه على جنان اسبانيا وجمال الأندلس حين قال :

وطني لو شغلت بالخلد عنه                  نازعتني إليه بالخلد نفسي

نعم إنها متعة الاتصال الحقيقي مع الأرض المباركة ، وتلبية للمهتمين بالتاريخ الذين قالوا : لقد كتبت عن الكثير من القرى في الفترة العثمانية أين دير أيوب من ذلك ؟ ، دعوت الله سبحانه وتعالى أن يساعدني ويوفقني في ذلك فقررت البحث عن ماضيها بالرجوع إلى وثائق المحكمة الشرعية في القدس والوثائق العثمانية من دفاتر مفصلة وسالنامه بالإضافة إلى المراجع والموسوعات الفلسطينية مثل كتاب : ( الجغرافية التاريخية لفلسطين وشرق الأردن وجنوب سوريا ) لمؤلفه العلامة الأستاذ الدكتور شيخ الجغرافيين في فلسطين كمال عبد الفتاح وزميله الألماني العلامة الدكتور ديتر هيتروت ، وكتاب : ( ملكية الأراضي في متصرفية القدس من 1858م-1918م) للمؤرخ القدير الدكتور أمين مسعود أبو بكر ، بالإضافة إلى العديد من الوثائق وعقود الزواج وإحصاء النفوس ووثائق أخرى موجودة في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في أبوديس والتابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية وكل الشكر للأستاذ سعدي عثمان النتشة الذي زودنا بوثائق إحصاء النفوس لقرية دير أيوب في نهاية الدولة العثمانية والأستاذ عليان الهندي الذي قام بترجمة العديد من الوثائق العبرية إلى العربية والدكتور عبد القادر سطيح مدير المركز الثقافي التركي (يونس أمره) في رام الله حيث زودنا بعدد من الوثائق العثمانية وترجمتها والأستاذة الحاجة بسمة العباسي الموظفة في مؤسسة إحياء التراث في أبوديس والمهندس نبيل طينة الذي دائماً يشجعني في البحث عن الجديد وعالم الآثار الأستاذ عوني الشوامرة ، ومن هنا نزجي شكرنا نحن أهالي دير أيوب للمؤرخ القدير الأستاذ إياد عيسى المدرس في جامعة بير زيت الذي عمل دراسة قيمة عن تاريخ الخرائط في قرية دير أيوب من الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم والتي أخذت من وقته عاماً كاملاً من البحث والتنقيب والجهد المتواصل والعمل الدؤوب وقد نشرت هذه الدراسة باللغة الإنكليزية في مجلة حوليات القدس الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ونشرت في العدد الأخير.

وها هي دير أيوب تقدم نفسها من خلال الفترة العثمانية في حلقة متواضعة ومختصرة .

التسمية

تقول الرواية الشفوية أن أسم القرية هو الاسم الموروث عن الآباء والأجداد لكن البعض منهم يقولون إن اسم قريتنا قبل العثمانيين كان ديار أيوب لأنها من ضمن القرى التي كان ينزل بها القائد صلاح الدين الأيوبي في حروبه مع الفرنجة وكان اسمها في العهد الروماني (أَبندو) وعلماء الآثار يقولون أن القرية قبل الرومان ولا نخوض في ذلك لأن حديثنا اليوم عن دير ايوب في العهد العثماني فقط وفي الوثائق المملوكية والعثمانية كان اسم القرية دير أيوب وكل الوثائق الموجودة كتب فيها اسم القرية دير أيوب.

الموقع

دير أيوب قرية صغيرة تقع إلى الغرب من بيت المقدس وبانحراف قليل نحو الشمال ، على بعد (23) كيلومتراً ، وان وقوع القرية على الطريق العام الواصل بين القدس ويافا جعلها تلعب دوراً هاماً في مقارعة الانتداب البريطاني وقبله إبراهيم باشا ، ومنها يتفرع جزء من الطريق العام في باب الواد ليصل إلى بيت محسير ثم بيت جبرين ثم إلى الخليل وكان للقرية طرق غير معبدة مع القرى المجاورة مثل عمواس ويالو وبيت محسير وساريس وبيت ثول .

المساحة والحدود

حسب الوثائق وخريطة الحوض الطبيعي عام 1933م وخريطة فلسطين عام 1945م بلغت مساحة القرية (6028) دونماً ويحد دير أيوب من الشمال أراضي بلدة يالو ومن الشمال الغربي عمواس ومن الغرب اللطرون ومن الجنوب بيت محسير ومن الشرق ساريس ومتوسط ارتفاع أراضيها عن سطح البحر (300) متر .

عدد البيوت المعمورة

في اللغة العثمانية كلمة خانة تعني البيت أو الحوش المعمور باللغة العربية ، والخانة عند العثمانيين هي البيت الصغير أو الكبير والوثائق التي بين أيدينا من خلال الدفاتر المفصلة أو إحصاء النفوس تبين لنا أن عدد البيوت المعمورة في دير أيوب عام (1538م) كان (7) بيوت معمورة ومسجد صغير وعام (1549م) أصبح لديهم (13) بيتاً معموراً منها (6) بيوت للمسيحيين ، وفي عام (1557م) زاد عدد البيوت إلى (17) بيتاً معموراً وأصحابها مسلمون وعام (1596م) بقي الحال كما هو ولهم (17) بيتاً معموراً ، أما عام (1872م) فكان لهم (9) بيوت للمتزوجين و(6) بيوت للعزاب وفي عام (1883م) وصل عدد البيوت (26) بيتاً معموراً وفي عام (1911م) وصلت إلى (36) بيتاً وعام (1931م) كانت (66) بيتاً معموراً وفي عام النكبة (1948م) وصلت إلى (110) بيوت معمورة .

عدد السكان

جاء في الدفاتر العثمانية المفصلة أسماء أرباب الأسر دافعي ضريبة الزراعة في دير أيوب وخصوصاً في القرن السادس عشر الميلادي وكل رب أسرة معدل عدد نفوس أسرته من خمسة إلى ثمانية لذلك نقول أن عدد أرباب الأسر الدافعة لضريبة الزراعة في قرية دير أيوب عام 1538م كان سبعاً أي (7×6=42) نفساً وعام 1549م كانوا (78) نفساً وفي عام 1557م بلغوا (102) نسمة وفي عام 1596م كان عددهم أيضاً (102) نسمة وفي عام 1872م كان عددهم (87) نسمة وأصبح عددهم عام 1883م (156) نسمة وفي عام 1911م وصلوا إلى (216) نسمة وفي عام 1922م كانوا (215) نسمة أما عام 1931م فقد بلغ عددهم (221) نسمة منهم (107) ذكور و(114) أنثى كلهم مسلمون وفي عام 1945م قدروا بـ (320) نسمة أما عام النكبة 1948م فقد وصلوا إلى (371) نسمة .

أسماء الأسر والحمايل في نهاية الدولة العثمانية

هذه الأسماء أخذت من دفاتر إحصاء النفوس وعقود الزواج وخلو الموانع وبعض الوثائق خصوصاً الحجج : طينة ، عمار ، ذياب ، البياع ، جبر ، حمدان (القيسية) ، بدوان ، شاهين (أبو شاهين) ، عوط الله ، السيد ، الخطيب ، عابد ، حمد ، حموده ، حمدان ليقه ، قطينة ، عزية ، المغربي ، موس محمد ، المحسيري ، مصطفى ، أبو نصار ، ذيب ، محمد ، خليل ، الرب ، عرب الرماضين ، سلامة عيسى ، عودة ، السوقي ، الحمايدة ، وكان في بداية الانتداب البريطاني قد سكنت القرية العائلات التالية : الحتاوي ، الديرباني ، الشرباتي .

المختار

كانت وظيفة المختار موجودة في قرية دير أيوب منذ بداية تعيين المخاتير في فلسطين وذلك منذ عام 1885م وكان في القرية مختاران ، مختار أول ومختار ثان ، وكان على من يتغيب منهما أن يعين وكيلاً عنه ومن شروط وظيفة المختار أن يكون من ذوي السمعة الطيبة وملماً بالقراءة والكتابة وأن يكون ملاكاً في القرية ، وغالباً ما تكون المخترة بالانتخابات أو بالتوافق وكانت مهمة المختار في العهد العثماني لها احترامها وتقديرها وهيبتها ، ومهام المخترة كثيرة منها الرسمية ومنها الشعبية وكان بيته مجمعاً وملتقى لرجالات البلدة وأصحاب الحاجات وبيته أيضاً مركزاً لحل المشاكل إن حصلت وغالباً ما تحل هذه المشاكل قبل الوصول إلى المحاكم الرسمية ومن مهام المختار الإخبار عما يقع في القرية من زواج ووفيات ومواليد .. إلخ ومن مخاتير دير أيوب الذين استطعنا معرفتهم في نهاية الدولة العثمانية الشيخ علي محمد طينه وكان مختارا ًأولاً للقرية وكان الشيخ سليم طينة مختاراً ثانياً وبقي الحال حتى قدوم الانتداب البريطاني ثم جاء بعدهم المختار محمد سليمان عليان طينة مختار أول للقرية وذلك عام 1930م وبقي حتى عام النكبة .

مجلس إختيارية القرية

كان يشكل في كل قرية من قرى فلسطين مجلس منتخب أو يعين من قبل مدير الناحية في القدس وعليه أن يكون من الملاك للأرض وأصحاب السيرة الحسنة ولا يحق للمختار عزلهم ما داموا سائرين لمصلحة القرية ويجب أن يكون المختار والإمام من أعضاء مجلس الاختيارية ، وغالباً ما يكون هؤلاء الأعضاء من وجهاء العائلات في القرية ومن ذوي الأخلاق الحميدة ، ومن المهام التي يقوم بها أعضاء المجلس الإصلاح بين أهالي القرية والمحافظة على نظافة القرية وتعيين حراس خصوصاً في أيام الحصاد ، والمناظرة على أموال وأملاك الأيتام المقيمين داخل القرية وخارجها وإعلام مدير الناحية بمخالفات المختارين إن حصل ومن أعضاء مجلس إختيارية دير أيوب من عام 1900م إلى عام 1905م تقريباً حسب الوثائق العثمانية :

1ـ السيد محمد علي السيد .

2ـ السيد إبراهيم حمد .

3ـ السيد سليم سليمان طينة .

4ـ السيد أحمد عمار .

5ـ السيد أحمد علي .

6ـ إمام المسجد الشيخ محمد الخطيب .

7ـ مختار القرية

دير أيوب ناحية الرملة

في فترة الدولة العثمانية حتى هزيمة إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا حاكم مصر عام 1840م كانت قرية دير أيوب حسب الوثائق الرسمية تتبع ناحية الرملة وأحياناً الرملة كانت تتبع مدينة غزة .

دير أيوب ناحية بني مالك حتى عام 1899م

بعد هزيمة إبراهيم باشا أصبحت القدس لواء ويتبعه تسع نواح حسب دفتر سالنامه العثماني عام 1872م والنواحي هي : ناحية بني مالك ، ناحية بني مرة ، ناحية بني زيد ، وناحية بني سالم ، وناحية بني حسن ، ناحية الوادية ، ناحية بني حارث القبلية ، ناحية بني حارث الشمالية ، ناحية البيرة وجبل القدس ، وقرى ناحية بني مالك حسب ما وردت الأسماء في دفتر السالنامه ووثائق المحكمة الشرعية في القدس الشريف وهي : دير أيوب ، ساريس ، يالو ، اللطرون ، لفتا ، قالونيا ، خربثا المصباح ، الطيرة ، دير ياسين ، سلبيت ، بيت إجزا ، بيت سيرا ، بيت عور الفوقا ، بيت عور التحتا ، عجنجول ، بيت دقو ، بت عنان ، صوبا ، القبيبة ، بيت لقيا ، قطنه ، بيت سوريك ، بيت نقوبا ، القسطل ، أبو غوش .

دير أيوب ناحية صفا منذ عام 1899م

كانت القدس مقسمة إلى تسع نواحٍ حتى عام 1899م قلصت إلى أربع نواحٍ مع تغيير الاسماء ليصبح سنجق القدس كالتالي : ناحية بيت لحم ، ناحية صفا ، ناحية عبوين ، ناحية رام الله وقرى ناحية صفا هي : صفا ، يالو ، دير أيوب ، عرتوف ، أشوع ، خربثا المصباح ، بيت لقيا ، بيت سيرا ، بيت دقو ، صرعا ، الطيره ، بيت عور التحتا ، بيت عور الفوقا ، بيتللو ، راس كركر ، الجانية ، دير عمار ، جمالا ، أبو شخيدم ، مزرعة شريتح ، كفر نعمه ، دير بزيع .

أسماء قطع الأراضي في قرية دير أيوب

التعميرة ، القاطع ، وعرة الخلة ، حبايل شعيبي ، جرابه ، الهردش ، الشعاب ، خلة حديد ، خربة خلة حديد ، مراح البركة ، التربيعة ، خلة البداين ، خربة النقيب ، السلاق ، شعب ذياب ، البصة ، مديمنة ، نتاتيش، الحبايل ، شقفة البير ، صبيحة ، الطرحة ، شعب اللوز ، قطعة بدر ، باب الثغرة ، باب الواد ، شعب خلة الطماع ، خلة الطماع ، النتاش ، جورة غراب ، خربة حرسيس ، حرسيس ، شعب الدريس ، شعب القضاب ، جبل حرسيس ، المصرارة ، مراح أبو سمرة ، الخبطة ، صفحة واد علي الفوقا ، صفحة واد علي التحتا ، صفحة خلة التعامرة ، راس الحية .

أسماء الخرب

1ـ خربة النقيب : تقع في شمال أراضي القرية وهي إلى الغرب من دور البلد ووجد فيها آثار ما قبل الرومان .

2ـ خربة حرسيس : تقع في جنوب القرية وهي إلى الشمال من باب الواد .

3ـ خربة البدادين : تقع في الشمال من أراضي القرية القريبة من حدود قرية يالو وتجاور أراضي التربيعة .

4ـ خربة خلة حديد : تقع في الشمال الغربي من أراضي القرية .

والى اللقاء في الحلقة الثانية والأخيرة  إن شاء الله


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

طيرة حيفا الفلسطينية في عهد الدولة العثمانية – الجزء 1/2

إعداد الباحث عباس نمرعضو اتحاد المؤرخين العرب الحنين إلى الماضي جزء من الحاضر الذي يعيشه ...