بير اماعين

كي لا ننسى  …  اعرف وطنك. ما زالت الأمم المتحدة تعترف بحقوق أهل فلسطين فمتى يكون التطبيق ؟!
من قرى النكبة المهجرة : (بير إماعين أو بير معين) إحدى قرى الرملة

 

إعداد الباحث عباس نمر
عضو اتحاد المؤرخين العرب

 

المقدمة
إنها نكبة توالت عليها نكبات ونكسات وهزائم تزرع فينا اليأس والإحباط والتوتر وكلما أضيفت إليها سنة جديدة إزداد الوضع ألماً وبعد مرور سبعة وستين عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني ما يزال يدفع الثمن ولا راحة له ، يدفع ثمن إقتلاعه من أرضه ولجوئه إلى كافة أنحاء المعمورة يحمل معه المكان بموجوداته وذكرياته ولا ولن ينسى الشعب الفلسطيني إينما رحل وحيثما حل الأرض .. الأرض المباركة أعز ما يملكون وليعلم العالم أنه لا يوجد في التاريخ الحديث نكبات توازي نكبة فلسطين ولم يحدث قط أن غزت أقلية غريبة بلداً مسالماً هجر أهله الأصليين إلا في فلسطين … فكان التطهير العرقي والتهجير في ظل الإنتداب البريطاني كان التطهير العرقي لشعب فلسطين المسالم حيث طرد اليهود (263) قرية وخربة ومزرعة قبل انتهاء الانتداب البريطاني أي قبل قيام دولة إسرائيل في 15/5/1948م ، وهُجِرَ بعد 15/5/1948م أكثر من (400) قرية ومدينة وخربة وهناك قرى هُجِرَت عام 1949م وعام 1950م وظل البدو في النقب عرضة لعمليات الطرد حتى عام 1962م عندما أرغمت عشيرة الهواشلة على الرحيل حيث تم وضع (750) شخصاً في شاحنات وطردوا ودمرت بيوتهم وصودرت أملاكهم وصودر لهم (800) دونم ووصل عدد المدن والقرى الفلسطينية التي هُجِرَت إلى (675) وذلك حسب موسوعات المؤرخ القدير الدكتور سلمان أبو سته وكلها موثقة وموجودة وآخرها مجلد : (فلسطين الحقوق لا تزول).

لم يكتفي اليهود بخلع وإقتلاع وتهجير الإنسان الفلسطيني بل دمر معالمه العمرانية والثقافية وطمس الهوية وانتحل شخصية مالك الأوطان لأنه لا تاريخ له في هذه الأرض المباركة أرض الأنبياء ومهبط الرسالات التي قامت من أجل خير البشر مع سلامهم المادي والروحي .

وبعد انقضاء هذه السنوات وقرارات الأمم المتحدة تعترف بحقوق أهل فلسطين لكن أين التطبيق ؟

مهما كبرت اللوعة في نفوسنا ، ومهما تعاظمت الحسرة في أعماقنا ومهما أنحنى الشعب أمام شدة العواصف فإن الشعب الفلسطيني لم يتغير ولم يتبدل ومقولة الكبار يموتون والصغار ينسون ، اليوم وبعد (67) عاماً الأبناء الصغار هم أجداد والأبناء ، وهم مصممون على حق العودة وأنه لا بد لهذا الليل من آخر لا يستكين ولا يفقد الأمل لأن الأمل بالله مهما طال الزمن والحقوق لا تزول .

ولا شيئ أخطر على الإنسان من أن يكون جاهلاً بالتاريخ ونحن أبناء هذا الوطن .

وكم كانت سعادتي باللقاء القيم الذي جمعني مع صاحب الرواية الشفوية الحاج فؤاد خليل إبراهيم خضر (أبو جبر) من قرية بير إماعين (بير معين) والمولود فيها عام 1927م وكان اللقاء في البيت العامر للإستاذ عماد مسلم من قرية دير أيوب في مخيم قلندية وخلف الجدار العنصري وسررنا من الاستقبال من صاحب البيت وصاحب الرواية الشفوية الذي انفرجت اسارير وجهه بالرغم من آلام وجراحات النكبة استطعنا أن نقطف شذرات مفيدة عن بير إماعين الوادعة المضياف .

 

الموقع

كانت تقع قرية ( بير إماعين أو بير معين ) في أقصى الشرق من قضاء الرملة قبل عام النكبة وهي إلى الشرق مع انحراف قليل إلى الجنوب من مدينة الرملة وعلى بعد (14) كيلو متراً  ، ونشأت هذه القرية على أرض متعرجة أو متموجة في أقصى الطرف الشرقي للسهل الساحلي الأوسط ضمن المنطقة الانتقالية التي تمثل الاقدام الغربية لطرف سفوح جبال رام الله وكانت طريق فرعية تصلها بالطريق العام الواصل بين الرملة ـ رام الله ، وكان لها دروب مع القرى المجاورة ومتوسط إرتفاعها عن سطح البحر (275) متراً .

التسمية
تقول الرواية الشفوية أن هذا الاسم (بير إماعين) هو الاسم الموروث عن الآباء والأجداد ، وهذا اللفظ هو الدارج والمتداول بين الجميع لكن ما جاء في الوثائق الفلسطينية ووثائق الانتداب والوثائق العثمانية وسجلات المحكمة الشرعية ودفاتر الطابو تكتب (بير معين) ويوجد في القرية مقام النبي معين وكأن اسم القرية مأخوذ من صاحب هذا المقام .

المساحة والحدود
لقرية بير إماعين أراضٍ مساحتها (9319) دونماً وجميعها ملك لأهلها ولم يتسرب لليهود أي شبر منها، ويحدها من الشمال الشرقي قرية صفا ومن الشمال قريتي البرج وبرفيلية , ومن الغرب الشمالي قرية الكنيسة ومن الغرب الجنوبي قرية بيت شنه ومن الجنوب قريتي البويرة وسلبيت ومن الشرق بيت سيرا .

عدد البيوت المعمورة في بير إماعين
على الرغم من قلة المصادر والبحث المتواصل في الملفات والوثائق العثمانية القديمة حول عدد البيوت المعمورة لكن بفضل الله توصلنا إلى وثيقة قديمة وقيمة منذ عام 1556م والتي سنتحدث عنها لاحقاً وجاء فيها أن عدد الخانات (49) والخانة هي البيت أو الحوش المعمور وجاء في كتاب (الجغرافية التاريخية لفلسطين والأردن وجنوب سوريا) للمؤلف القدير الاستاذ الدكتور كمال عبد الفتاح وزميله الدكتور هتروت أن عدد البيوت المعمورة في عام 1596م نقصت إلى (30) بيت وفي عام 1871م كانت (38) بيت وفي عام 1910م كان بها (29) بيت وفي فترة الانتداب البريطاني عام 1931م وصل عدد البيوت إلى (58) بيت أما في عام النكبة 1948م كانت البيوت العامرة بلغت (141) بيت .

عدد السكان
اتفق المؤرخون والباحثون أن معدل عدد سكان البيوت المعمورة في العهد العثماني من خمسة أنفار إلى سبعة أنفار فإن قلنا أن عدد البيت المعمور خمسة وفيها عام 1556م (49) بيت يكون عددهم(49×5=245) نسمة وفي عام 1596 نقصت البيوت إلى (30) فيكون العدد (30×5=150) نسمة وعام 1871م وصل عددهم التقديري (190) نسمة أما عام 1910م فكان عددهم (226) نسمة منهم (118) ذكراً و(108) أنثى وفي عام 1931م وصل عددهم إلى (355) نسمة وعام النكبة 1948م كانوا (592) نسمة وفي إحصاء عام 2008م الصادر عن وكالة الغوث أن عدد اللاجئون المسجلون من أبناء بي إماعين هو (4914) نسمة .

الحمايل والعائلات
هذه الحمائل والعائلات التي استطعنا جمعها ونأمل أننا قد وفقنا بذلك وهي : خضر ، إمطير ، شحادة ، حماد ، الأمارة ، عبد الرحمن (الرفيع) ، عبد القادر ، عابد ، الحسيني ، المغربي ، أحمد ياسين ، أبو لبن ، أبو حواس اللقياني ، الصوص القطناوي ، عبد المعطي الغوشي ، وبعد النكبة 1948م كثير من أبناء بير إماعين يطلق عليه فلان المعيني .

المضافات
كان للقرية قديماً ديوان واحد وهو لكل الحمايل والعائلات في القرية وكان مقره في غرفة صغيرة بجانب المسجد وهو المكان الذي يجتمع في رجالات القرية وهذه المضافة أو الديوان ويطلق عليها احياناً اسم الساحة أو المقعد وهذه الساحة أو المضافة هي أيضاً لاستقبال الضيوف وابن السبيل وفي فترة الإنتداب البريطاني كبرت بير إماعين وازداد عدد السكان وأصبح لكل حمولة مضافة وبيت المختار مضافة ومن مضافات القرية قبل عام النكبة 1948م :

1ـ مضافة آل خضر .

2ـ مضافة آل شحادة .

3ـ مضافة آل إمطير .

4ـ مضافة الأمارة .

5ـ مضافة آل حماد .

6ـ مضافة عبد الرحمن الرفيع .

المخاتير
كان في الغالب في قرية بير إماعين مختاران مختار أول ومختار ثاني ووظيفة المختار استحدثت في نهاية الدولة العثمانية وذلك عام 1864م وكان المختار ينتخب من قبل أهالي القرية أو بموافقة الحمايل والعائلات ومن مخاتير القرية قبل النكبة :

1ـ مختار أول حسين شحادة .

2ـ الشيخ يوسف صالح إمطير مختار ثان وبعد وفاته عين علي عثمان .

المسجد
كان في القرية مسجد صغير ويطلق عليه مقام النبي معين وبجواره ساحات واسعة وعندما كبرت البلد وإزداد عدد السكان تم بناء مسجد كبير بدل القديم وهو عبارة عن أربعة غرف واسعة وبعض الغرف مساحتها (80) متراً وبني للمسجد قبة ومئذنة ومكان للوضوء وبلطت ساحات المسجد وافتُتِحَ المسجد عام 1935م بحضور الحاج أمين الحسيني والمندوب السامي وعبد القادر الحسيني وجمع غفير من أهالي البلدات والقرى المجاورة وأول من رفع الآذان في المسجد الشيخ خليل إبراهيم خضر وكان مؤذناً حسبة لوجه الله تعالى وأول إمام للمسجد الجديد كان الشيخ كامل درويش البلتاجي وفي عام 1938م عين الشيخ جميل محمود أفندي محمد من بيت نوبا إماماً جديداً للمسجد ، وقبل النكبة كان إمام المسجد الشيخ محمد ذيب شعبان حماد (أبو اسماعيل) حيث أصبح فيما بعد إمام مسجد قبة الصخرة المشرفة واستمر في صلاة التراويح في رمضان حتى عام 2001م تقريياً وما زال الشيخ أبو إسماعيل بصحة جيدة وعمر يقارب (100) عام .

صف الكتاب
كان التعليم قديماً يطلق عليه صف الكتاب وأهالي بير إماعين كان عندهم عدد من الشيوخ لتعليم أبناء القرية وذلك منذ العهد العثماني وكان مقر التدريس في المسجد ومن مشايخ الكتاب الشيخ عبد حسين خضر .

المدرسة
مدرسة بير إماعين من المدارس القليلة التي أفتتحت في القرية قبل الانتداب البريطاني وكان بها حتى الصف الثاني وكانت المدرسة في غرفة صغيرة ملاصقة للمسجد القديم ثم توسعت المدرسة عام 1934م وأصبحت حتى الصف الرابع ويعلمهم معلم واحد وفي عام 1945م أصبح للمدرسة أكثر من مدرس وبها (40) طالب بعضهم من القرى المجاورة ومن مدرسي المدرسة الاستاذ حسني الحموري ومدير المدرسة الاستاذ عارف عبد الرحمن أبو أحمد من دير غسانة وكان للمدرسة مكتبة وبها (84) كتاباً وفي القرية أكثر من (70) رجلاً يلمون بالقراءة والكتابة .

المقامات
1ـ مقام النبي معين .

2ـ مقام ستنا حنانة (حنايا) جنوب القرية .

3ـ مقام ستنا حورية وهو في الشمال الشرقي .

4ـ مقام ستنا زهرة وهو في الجهة الغربية للقرية .

مقام ستنا مناعه ويقع في الجهة الغربية من القرية .

بير إماعين في منتصف القرن السادس عشر الميلادي
إرتأيت أن أقدم في هذه الحلقة إحدى الوثائق العثمانية الهامة هدية لأهالي قرية (بير إماعين ، بير معين) وهي مقدمة من مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في أبوديس والتابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية ، والوثيقة باللغة العثمانية القديمة قام بقراءتها كل من خبير قراءة الخط العثماني الاستاذ محمد الصفدي (أبو صبحي) عميد مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية والاستاذة بسمة العباسي مديرة الوثائق في المؤسسة .

والوثيقة من كتاب الدفتر المفصل رقم (304) للواء غزة والرملة عام 1556م والموجود صورة عنه في مؤسسة إحياء التراث وجاءت الوثيقة في (14) سطر وفيها : أن قرية بير معين تتبع الرملة وهي وقف العمارة العامرة في القدس الشريف وبها أسماء أرباب الأسر دافعي ضريبة الزراعة وعددهم (49)رب أسرة ولكل صاحب أسرة خانة والخانة هي البيت المعمور ، أما أسماء أرباب الأسر هم :

محمد بن أحمد ، أحمد بن أحمد ، غانم بن سالم ، غنام بن سالم ، محمد بن إبراهيم ، حاج يحيى إبراهيم ، شاكر بن إبراهيم ، أوزبك بن عبيد ، علي بن بريك ، سيف بن أبو بكر ، صالح بن عثمان ، بدر بن سليمان ، سبع بن أحمد ، حسن بن عماد ، محمود بن حسن ، علي بن حسن ، أحمد بن محمود ، أحمد بن حميد ، خليفة بن حميد ، مخلوف بن حميد ، أحمد بن حمد الله ، أحمد بن حمدان ، حمد بن أحمد ، حمدان بن أحمد ، حسين بن علي ، علي بن حسين ، حسن بن حسين ، محمد بن حمدان ، عبيد بن محمد ، أحمد بن سيف ، موسى بن سيف ، محمد بن سيف ، إبراهيم بن سيف ، عواد بن عوض ، معاون بن عوض ، ، محمد بن عوض ، عمر بن عوض ، منصور بن عوض ، أحمد بن محمد ، غنيم بن سالم ، محمد بن حمدان ، خالد بن أوزبك ، صالح بن إبراهيم ، علي بن أحمد ، مصلح بن الراعي ، علي بن سوف ، عماد بن أحمد ، معمر بن عوض ، عبد الله بن محمد .

حاصلات القرية المذكورة قسم من الربع وقيمة الضرائب الزراعية هي : حنطة (2) غرارة (960) أقجة وشعير (1) غرارة (260) أقجة والسمسم (400) أقجة ومال صيفي مع خراج أشجار وثمن زيت وغيره (760) أقجة ورسم معصرة (24) أقجة ورسم معزة ونحل (93) أقجة ورسم باد هوى وعروس (50) أقجة  ومجموع الرسوم (2547) أقجة ، والأقجة عملة عثمانية مصنوعة من الفضة وكانت في بداية العهد العثماني قيمتها عالية .

بير إماعين (بير معين) عام 1596م
جاء في كتاب : (الجغرافية التاريخية لفلسطين والأردن وجنوب سوريا) لمؤلفه القدير الاستاذ الدكتور كمال عبد الفتاح وزميله الدكتور هتروت أن قرية بير معين كانت تابعة ناحية الرملة لواء غزة وأراضيها زراعية خصبة وكانت تدفع (25% ) على ضريبة الزراعة خصوصاً الحنطة والشعير والأشجار المثمرة وبلغت الضريبة الزراعية على القرية في عام 1569م (3500) أقجة .

بير إماعين (بير معين) إحدى قرى وقف خاصكي سلطان
أنشأت زوجة السلطان سليمان القانوني روكسيلانه عام 1551م تكية خاصكي سلطان في مدينة القدس الشريف مؤسسة خيرية لتقديم الطعام والشراب للفقراء وعابري السبيل والمجاورين وحبست على مصالحها أوقافاً غنية تعد من خيرة أراضي فلسطين ونظراً لاحباسها الواسعة واهتمام الدولة بها حتى تستمر في أداء رسالتها ظلت معمورة وتقوم بدورها خير قيام منذ تأسيسها وحتى نكبة عام 1948م وتجدد نشاطها قبل حوالي عشرين سنة وزادت القرى والمدن الموقوفة على التكية أكثر من مئة قرية ومدينة ومنها قرى ومدن كاملة مثل : مدينة اللد وقرى العباسية وكفر عانة ويازور وعنابة وخربثة ورنتيه والكنيسة وبير إماعين … إلخ .

بير إماعين (بير معين) ناحية نعلين
كانت ولاية القدس مقسمة إلى تشكيلات إدارية في عهد الدولة العثمانية نضرب مثلاً ولاية القدس عام 1872م كانت مقسمة إلى ثلاث متصرفيات هي عكا والقدس ونابلس ومتصرفية القدس مقسمة إلى أربعة أقضية وهي قضاء يافا وقضاء القدس وقضاء الخليل وقضاء غزة ، وكان قضاء يافا مقسم إلى ثلاث نواحي هي : ناحية يافا وناحية اللد وناحية الرملة .

وفي عام 1904م قسمت متصرفية القدس إلى خمسة أقضية وهي يافا والخليل والقدس وغزة وبير السبع ، وقسمت يافا إلى :

1ـ ناحية الرملة ويتبعها عدد من القرى .

2ـ ناحية صفا ويتبعها القرى التالية : نعلين ، بير معين (بير إماعين) ، شقبه ، شبتين ، بلعين ، خربثة ، دير قديس ، المدية ، بيت نوبة ، البرج ، قبية ، بدرس ، برفيلية .

احتلال القرية وتهجير سكانها
كانت بلدة بير إماعين قبل النكبة 1948م وادعة مطمئنة عامرة بأهلها أراضيها خصبة بمزروعاتها وأشجارها وأهلها مالكون لأرضها وكان الناس هانئين بحياتهم مطمئنين قانعين بما تجود به الأرض من نعمة الله .

وأنقلبت الأيام مع بداية عام 1948م وبدأت المناوشات في الأماكن الساخنة على أرض فلسطين خصوصاً مع المستعمرات وقوات الانتداب البريطاني جاهزة لتسليم فلسطين إلى اليهود في 15/5/1948م لتحقيق وعد بلفور وبدأ أهالي فلسطين بشراء السلاح وقام أهالي بير إماعين أيضاً بشراء السلاح والذخيرة بكل الأثمان ومعظمهم باعوا القمح والشعير والبعض باع الأبقار والأغنام وآخرون باعوا ذهب نسائهم واشتروا البنادق والذخيرة حتى أصبح لكل حارة أو حوش وأحياناً كل بيت فيه من يدافع عن منطقته وطبعاً كان هذا السلاح من أجل الصمود وفعلاً صمد أهالي بير إماعين وحاربوا مع القرى المجاورة ومنطقة باب الواد من أجل إغلاق الطريق العام الواصل بين القدس والرملة ، وكان أهالي بير إماعبن شديدي التعلق بأرضهم التي كانت تعطيهم من بركاتها من دون حدود ، لذا لم يبخلوا بالتضحية وبالدفاع عنها بكل إمكانياتهم التي بين ايديهم واستمر أهالي القرية صامدين وجاء جيش الإنقاذ والجيش العربي الأردني وتمركزوا في عدة أماكن من القرية من أجل إسترداد بعض القرى التي سقطت بيد اليهود قبل وصولهم بيوم أو يومين مثل : عنابه والكنيسة وخروبة وفعلاً قامت مصفحات الجيش الأردني بضرب عدد من المواقع لليهود وتوقف التقدم وحاول إرجاع القرى القريبة من بير إماعين ثم قام اليهود بهجوم معاكس بقيادة إيغال آلون واسحق رابين اللذان حولا لواء يفتاح بكتائبه لضرب الجيش الأردني وقالت الرواية الإسرائيلية أنها قصفت بير إماعين بـ(48) قذيفة مدفعية ودُمر عدد من آليات الجيش الأردني واستمر اليهود يالتقدم رغم خسائره الكثيرة واحتلت قرية بير إماعين واستشهد عدد من قوات الجيش العربي ومن أهالي القرية وجاء في كتاب : (كي لا ننسى) لمؤلفه وليد الخالدي أن الوحدات التي أشتركت في الإستيلاء على بير إماعين كانت مؤلفة من فصيلين من الكتيبتين الأولى والثانية من لواء يفتاح وفي هجوم مضاد شن بعد ظهر 16/4/1948م تكبد الجيش العربي الأردني خسائر جسيمة عندما حاول بلا طائل استنقاذ قريتي سلبيت وبرفيلية ، وفي اليوم التالي نقلت وكالة اسوشيتد برس أن القوات الإسرائيلية المرابطة في قريتي بير إماعين والبرج أخضعت الطريق العام الواصل بين رام الله واللطرون لنيران أسلحة اليهود .

وهكذا على الرغم من صمود الجيش العربي وجيش الإنقاذ وأهالي القرية في وجه القوات الإسرائيلية التي قتلت ودمرت البيوت وأصبح الوضع كارثياً خرج أهالي بير إماعين مشياً على الأقدام إلى القرى المجاورة تاركين أعز ما يملكون الأرض وكان الجميع ينامون تحت الأشجار والكهوف تائهين هائمين على وجوههم لا حول لهم ولا قوة يفترشون الأ{ض ويلتحفون السماء … إنها نكبة تطهير عرقي .

أهالي القرية اليوم
بعد ما حل بأهالي بير إماعين وما أصابهم من ظلم مع تغير الحال وتقلب الأيام وكانت كارثة النكبة تجثم فوق صدورهم وعقولهم وما زالت وهم اليوم موزعون في مخيمات وقرى القدس ورام الله والبيرة وبيت لحم والدول العربية والأوروبية والأمريكيتين وأفريقيا واستراليا من أجل لقمة العيش ، وعلى أمل العودة إلى قريتهم الحبيبة بير إماعين (بير معين ) .

وأخيراً
كان من المقرر أن أعرض شيء من كتاب ( قرية بير معين ـ الحلم والحقيقة ) لمؤلفه الاستاذ شفيق عيد خضر وذلك عام 2003م لكن لم نوفق في عرضه بسبب الأوضاع أنذاك لكن إصرار عدد من أهالي بير إماعين على نشر شيء عن القرية وخصوصاً الأستاذ محمود محمد أحمد ياسين (الفقير) أبو أنس والذي يسكن مخيم قلندية ، قررت الكتابة حلقة متواضعة مميزة بمعلومات جديدة لم تنشر من قبل عن قريتهم بير إماعين صاحبة التاريخ القديم والعريق وبير إماعين وأهلها لا يفيهم ما قدمناه في هذه الحلقة وهي بحاجة إلى حلقات وهذا نزر يسير من القليل القليل .

هذا ولم نتحدث عن القرية أثرياً ولا الفترة الإسلامية والصليبية وصلاح الدين والمماليك والعثمانيين والإنتداب والرحيل ولم نتحدث عن الحياة الإقتصادية والإجتماعية من أفراح وأتراح والأعياد والعادات والتقاليد … إلخ ، وذلك لضيق الوقت .

وشكري الجزيل لأسرة مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في أبوديس والشكر موصول إلى كل من اسرة مكتبة بلدية البيرة العامة وأسرة مكتبة القطان لجهدهم الصادق والمخلص في إعطاء المعلومة وتيسير كل وسائل البحث للباحثين .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

طيرة حيفا الفلسطينية في عهد الدولة العثمانية – الجزء 2/2

إعداد الباحث عباس نمرعضو اتحاد المؤرخين العرب لقد تحدثنا في الحلقة الأولى حول المقدمة والموقع ...