من إصدارات دار الشروق للنشر والتوزيع ، رام الله ، عمان وباكورة أعمال الاستاذة أمل اسحق الدجاني كاتبه
القدس زهرة المدائن ومجد الماضي وأشهر مدن العالم القديم ، مر على أديمها العديد من الحضارات وتربع على عرشها امبراطوريات ، منها الرومانية والبيزنطية والعثمانية كلها تدل على عمق حضارة القدس البلدة الصغيرة حجماً الكبيرة تاريخاً .
في القدس استقبل
القدس بعمقها التاريخي تميزت بخصوصية إكتسبتها من البعد الروحي الإيماني المرتبط بالزمان والمكان ، ويزداد الصراع على الأرض المباركة سخونة كل يوم من قبل المحتل بغية في تغيير الملامح المعمارية والثقافية والدينية والجغرافية والتاريخية والإنسانية مع إزدياد إقتحاماتهم للمسجد الأقصى المبارك وبناءا لمستوطنات وعدم إخراج الأسرى ، فمن الواجب على الأمتين العربية والإسلامية مساندة هذا الشعب الذي يتعرض لهجمة شرسة طالت الأرض والإنسان .
ومنذ عام 1967م يواجه الفلسطينيون عامة وأهل القدس خاصة حملات متعددة ومتنوعة لتغيير المعالم الديموغرافية من قبل المحتل وفي الأسبوع الماضي وصلني كتاب : (مسجد ومقام النبي داود عليه السلام في بيت المقدس ـ دراسة تاريخية أثرية معمارية) للمؤلفة والباحثة أمل اسحاق الدجاني كاتبه ، ومن إصدار دار الشروق للنشر والتوزيع ، رام الله ـ عمان ، وجدت فيه تغيير
هذا وقد جاء الكتاب بصفحات عددها (328) من القطع المتوسط المليئة بالوثائق والصور وبدأ الكتاب بالإهداء ثم الشكر والتقدير وبعده المحتويات ثم كلمة المؤلفة والتقديم وقد جاء هذا الكتاب في سبعة فصول تضمن الفصل الأول الخلفية التاريخية لمسجد النبي داود ومقامه في فترة ما قبل الإسلام والفترة الإسلامية الأولى والفترة الصليبية وأخيراً الفترة الإسلامية الثانية ولمحة موجزة عن حياة السلطان سليمان القانوني .
أما الفصل الثاني فقد تناولت فيه مقام النبي داود في المصادر التاريخية من جانبين :
أولاً : مدفن النبي داوود في المصادر التاريخية .
ثانياً : وصف مقام
وتضمن الفصل الثالث وقفيات مسجد النبي داود ومقامه ، حيث اعتمدت في هلى المصادر الأصلية كالوقفيات الخاصة بالمسجد والمقام وما دون في سجلات المحكمة الشرعية أو وثق في دائرة الأوقاف
اما الفصل الرابع فهو الدراسة الوصفية والتحليل المعماري للمسجدين والمقام وملحقاتهم بناء على المخططات الحديثة مع عدم إغفال المخططات القديمة التي كانت موجودة .
وأفرد الفصل الخامس للعناصر
أما الفصل السادس فانحصر في الدراسة التحليلية للعناصر الزخرفية التي وجدت وهي الزخارف النباتية الحيوانية الهندسية الكتابي والمعمارية .
والفص السابع جاء وصفاً للحياة الاجتماعية في حي النبي داود عليه السلام :
قبل العام 1948م (نهاية الفترة العثمانية وفترة الانتداب البريطاني )
بعد العام 1948(تحت الحكم الاسرائيلي).
عائلة الدجاني في القدس الشريف .
وختمت الكتاب بخاتمة عرضت فيها ملخصاً أهم النتائج التي توصلت إليها عبر فصول الدراسة واتبعتها بملاحق لها صلة وثيقة بالموضوع .
وأخيراً قالت مؤلفة الكتاب : لا أدعي الكمال بيد أنني لم أترك عن جهدي جهداً إلا وبذلته لأقدم شيئاً جديداً فان وفقت في عملي فهو أملي وإلا فعذري الصفح عن زللي .
هذا الكتاب
قالت مؤلفة الكتاب عن هذا الكتاب القيم : لقد قمت بإعداد هذا الكتاب كجزء من متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الآثار الإسلامية من المعهد العالي للآثار الإسلامية في جامعة القدس ، وكان ذلك على ما يزيد عن خمسة عشر عاماً ، وإذ أقدم هذا الكتاب بين يدي القراء آملة أن يملأ فراغاً وأن يسد حاجة في المعلومة الأثرية والتاريخية والمعمارية لمدينة القدس ، وذلك في الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل على تهويد المدينة وطمس معالمها الحضارية التي نحن بأمس الحاجة لدراستها وتعميمها للحفاظ على حقوقنا وتاريخنا في أحد أهم المعالم الأثرية فيها لنصل الحاضر بالماضي ونرنو منه إلى المستقبل .
لقد سمي هذا الموقع عدة مسميات وذلك وفق القوة السيادية التي تعاقبت على حكمه ، ومنها جبل النبي داود ، علية صهيون ، جبل صهيون ، زاوية ومقام النبي داود ، مسجد النبي داود ، وحي الدجاني وكلها تعني شيئاً واحداً ، نظراً لما يجري من احداث وتغييرات على أرض
لعل أبرز ما تم الإشارة إليه هي التطورات الفعلية على أرض الواقع في العقدين الأخيرين ، والتي إن نمت على شيء فإنما تنم عن استباحة هذا المقام والتعدي عليه من قبل سلطات الاحتلال بصورة همجية
إن الاعتداء على هذا الموقع لم ينجح عن وضع اليد على
وبالرجوع إلى التطورات التي جرت على الموقع لاحقاً ، فقد نشرت صحيفة القدس بتاريخ 3/8/2013م مقالاً بعنوان (تحويل مقام النبي داود الإسلامي في
أما على الصعيد العائلي فقد تم منع آل الدجاني من ترميم مئذنة مسجد النبي داود لتعرضها للانهيار ، وكذلك جرى اعتداء على صفائح الرصاص الموجودة على قبة المسجد واستبدالها بألواح خشبية كما أن العديد من بيوت العائلة قد تم هدمها لتصبح فيما بعد موقفاً للحافلات السياحية ، وكما قد تعرضت مقبرة عائلة الدجاني الملاصقة لمسجد النبي داود إلى اعتداء من قبل المدرسة الديني اليهودية المجاورة للمقبرة حيث تم هدم سور المقبرة وإزالة بعض القبور وحملت العائلة في ذلك الوقت سلطة الآثار الإسرائيلية وبلدية
وكان للهيئة الاسلامية والأوقاف مع آل الدجاني أيضاً موقفاً برفض أي أتفاق يبرم بين اسرائيل والفاتيكان حول ( قاعة العشاء الأخير ) في مسجد ومقام النبي داود واعتبار ذلك مخالفة للأعراف الدولية ولا يمكن الاقرار به ، وأنهم يؤكدون على بيانهم السابق أن المسجد والمقام وما يتبعهما من زوايا ولواوين والمقابر الملحقة بهما كلها وقف إسلامي ، وأن قاعة العشاء الأخير تمثل الطابق الثاني للموقع ويعتبر وقفاً إسلامياً لأن ما يقام على بناء موقوف يصبح وقفاً تلقائياً وأن أملاك الأوقاف لها حرمتها ولا يسري عليها بيع ولا هبة ولا تنازل ، وأن سلطات الاحتلال الاسرائيلي لا تملك الحق بمنح ما لا تملكه ، حيث بينوا أن آل الدجاني هم سدنة المقام والمسجد وذلك حسب الفرمانات السلطانية الممنوحة لهم منذ ما يزيد على 560 عام ، وأن سلطات الاحتلال ارتكبت العديد من المخالفات عندما غيرت في النقوش والكتابات والآيات القرآنية
الفصل الأول
إرتأينا أن تكون هذه الحلقة شيء ولو باختصار من الفصل الأول للأهمية خصوصاً عن مكانة المقام قبل الإسلام ثم الحديث عن المسجد والمقام في الفترة العثمانية
مكانة المقام قبل الإسلام
عندما هدم القائد الروماني طيطس
الفترة الإسلامية الأولى
لم تصلنا أية معلومات خلال فترة الفتح الإسلامي للقدس عام 15هـ /636م والفترات الإسلامية الأولى التي تلته ، ولكن الخليفة عمر بن الخطاب أمضى لأهل إيلياء (القدس) حين دخلها عهد الأمان (العهدة العمرية) إذ أعطاهم الأمان لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم ، كما أخذ أهل
شيء من التاريخ الأيوبي
بعد ان هزم صلاح الدين الأيوبي الصليبيين في معركة حطين في العام 1187م ، لم تهدم هذه الكنيسة وإنما سلمها الصليبيون عند مغادرتهم المدينة للمسيحيين السوريين الذي أحيوا ذكرى مقام داود.
أمر الملك المعظم عيسى الأيوبي في العام 1219م بهدم جزء من هذه الأماكن المقدسة ونتيجة لسقوط الكنيسة أهمل المسيحيون هذا المكان مما أدى إلى عناية المسلمين به وبفضل هذه العناية ظلت العلية قائمة مزاراً للحجاج المسيحيين ، وأما القبو فقد أقام المسلمون فيه قبلة وحولوه إلى مسجد
وسمح الملك
اشترى الرهبان الفرنسيسكان خلال 1335-1337م موقعاً على جبل صهيون حال وصولهم إلى البلاد المقدسة بواسطة الراهب
اهتمام اليهود بالدير
ابتدأ اهتمام اليهود بوجود قبر داود بالقبو في القرن الثاني عشر وخاصة بعد كتابة الرحالة اليهودي الاسباني بنيامين الطليطلي الذي زار القدس في العام 1173م عن مقام داود والقصة الخيالية حول اكتشاف القبر ، وكذلك نجد الروايات المسيحية تقول عن وجود قبر داود بهذا القبو وذلك حين جاء ذكره بين قائمة الأماكن المقدسة التي تضمها كنيسة صهيون ، لهذا ابتدأت المطالية بحق تملك هذا القبو من قبل اليهود والمسيحيين وأخذ اليهود ينتظرون الوقت المناسب التي تسوء فيه العلاقات بين الدولة المملوكية والفرنج حتى يستطيعوا إخراج الفرنسيسكان من المكان وذلك بالضغط على سلاطين المماليك ، وفي عهد السلطان المؤيد شيخ المملوكي (1412-1421م) استطاع اليهود إخراج الرهبان من القبو وأخذه ثم في عهد السلطان برسباي (1422-1438م) بقيت رعاية المكان بيدهم ، وعندما أصبحت الأمور حسنة بين الرهبان والمماليك عاد الرهبان وطالبوا باستعادة القبو .
عودة المكان إلى الرهبان
في عام 1429م اقنع أحد أغنياء اليهود السلطان برسباي بأن يمتلك القبو الذي يضم قبر داود عليه السلام عن طريق الشراء وساعد على تسهيل هذه المهمة (سايم) كبير التراجمة بالبلاط المملوكي ، وهو من أصل يهودي كان
ومن هذا يتبين لنا كيف كانت معاملة السلاطين المماليك السمحة للرهبان بما يتصل بموضوع كنائسهم وأديرتهم ويظهر من خلال المحاضر والفتاوي والمراسيم التي كان يصدرها السلاطين والقضاة والتي لها أهمية سياسية ودينية وأحياناً أثرية ، حين حددت بناء كنيسة علية صهيون حيث كان بعض الأثريين يرجع ذلك على
المقام في عهد السلطان ابو سعيد جقمق
ابتدأ اليهود مطالبتهم باستعادة القبو عند اعتلاء السلطان ابو سعيد جقمق العلائي الظاهري السلطنة 842هـ /1438م وعندما رأى هذا السلطان النزاع الدائر بين الطائفتين اليهودية والنصرانية على مكان قبر نبي الله داود ، وبسبب حوادث القدس السياسية ، إذ ظهر له أن طائفة الرهبان خرجوا عن رسالتهم الدينية وأصبحوا يساعدون طوائف الفرنج بالتآمر على سلامة الدولة ، وحسماً لهذا النزاع ومحافظة على قدسية المكان ، قرر انتزاع قبر داود عليه السلام من أيدي النصارى فهدم البناء المستجد لصهيون وأخرج قبر داود من أيدي النصارى وكان ذلك في العام 1450م ، ثم قرر أن تكون رعاية المسجد بيد المسلمين وحول القبو إلى مسجد صغير وحبس بعض الأوقاف عليه لضمان النفقة عليه ، كما ولى السلطان النظر على القبو الشيخ يعقوب الرومي الحنفي .
وفي فترة حكم الأشرف اينال 1453-1460م قرر ما يلزم من الأموال لرعاية المسجد وصيانته ودفع رواتب القائمين عليه .
المقام والمسجد في عهد الملك الظاهر خشقدم
لقد اظهر الملك الظاهر خشقدم 1460-1467م اهتماماً كغيره من السلاطين بالرهبان بإصداره المراسيم والحجج الشرعية لهم لتقرهم على ما بأيديهم من حقوق وامتيازات وأقر أموالاً لرعاية المسجد والقبو وفي عهده أعاد الرهبان بناء القاعة الشرقية في الطابق العلوي في العام 1462م ولكنه تم هدمها في العام 1468م من قبل المسلمين .
نائب القدس الأمير دقماق
في العام 1468-1495م تولى السلطنة الملك سيف الدين ابو النصر قايتباي ابن عبد الله الظاهري وفي عهده كان نائب الأمير دقماق الذي ساعد النصارى المقيمون بدير صهيون على إنشاء كنيسة ، وهكذا كانت علاقة سلاطين المماليك بأهل الذمة في بيت المقدس تتذبذب حسب الظروف السياسية وحسب المصالح العليا للدولة .
الفترة العثمانية
عندما وصل السلطان سليم العثماني إلى الشام واستقرت له الأمور في العام 1516م ابتدأ مسيحيو القدس بمطالبته بتأمينهم على كنائسهم كما فعل سلاطين المماليك سابقاً لهذا أصدر في العام 1517م فرماناً إلى بطريرك القدس يؤمن بمقتضاه جميع الطوائف المسيحية حسب شروط العهدة العمرية .
عاد الرهبان الفرنسيسكان لإثارة موضوع القبو وحقهم له ، وقد نجحوا في ذلك في العام 1519م بفضل مساعي فرانسوا الأول ملك فرنسا حين سمح لهم السلطان سليم
ثم امر بتحويل المبنى إلى مسجد وعهد برعايته إلى السادة الأشراف بالقدس ، ومنذ ذلك الوقت أصبح المكان يعرف بمسجد النبي داود ، وبهذا وضعت السلطات العثمانية حداً نهائياً لهذا النزاع على أن هذا التحويل لم يمس المقدسات المسيحية واليهودية بل أن السلطات الإسلامية حافظت على رعاية هذه الأماكن المقدسة وسمحت للطائفتين بزيارة مقدساتهم ، لكن ذلك أدى إلى ازدياد حدة العداء بين الرهبان الفرنسيسكان واليهود ، مما حدا بالرهبان إلى ترك دير صهيون عام 1551م إلى مكان يدعى الفرن
وفي فترة حكم السلطان العثماني محمود الثاني 1808-1839م تم ترميم وإعمار مسجد ومقام النبي داود وقد أباح هذا السلطان للآباء الفرنسيسكان ممارسة طقوسهم في علية العشاء السري في مواقيت معينة وأصبحت هذه التقاليد أمراً متعارفاً عليه .
وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني أصبح تقارب عثماني ألماني كان من نتائجه أن أهدى السلطان قطعة أرض مساحتها دنمان بجوار مسجد النبي داود يفصل بينهما الزقاق من جهة الغرب إلى الامبراطور
وفي فترة الانتداب البريطاني 1920-1948م اعتبرت الأوقاف العامة صاحبة الولاية العامة في الإشراف على المقام ، بينما احتفظت عائلة الدجاني بالولاية الخاصة في سدانة مقام النبي داود والمسجدين وتم ترتيب لزيارة الرؤساء الكاثوليك لعلية العشاء السري مع متولي
في العام 1948م أصبح مسجد النبي داود ومقامه والمقابر المجاورة (منطقة حرام) خاضعة لرقابة مراقبي الأمم المتحدة وكانت تنظم ترتيبات زيارة رجال الدين الكاثوليك لعلية العشاء السري حسب نشرات رسمية تصدرها الأردن كل عام باسم محافظة القدس آخر هذه النشرات كان في 1/3/1967م .
وأخيراً
وأخيراً يتبين للقارئ مدى ما تحدثه السياسة والساسة من أثر على العلاقات بين الشعوب نتيجة لتلاعب الراعي والرعية بالأمور والإبتعاد عن الصواب تبعاً للمطامع الدنيوية التي تنحرف بالناس عن الصراط المستقيم ومن ذلك ما تعانيه القدس اليوم وأماكنها المقدسة من اطماع المحتلين .
و ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} صدق الله العظيم .
إعداد الباحث عباس نمر
عضو اتحاد المؤرخين العرب